My Life, Your Universe ! حياتي، كونكم

لطالما اعتقدت أنّ الكتابة هي محاولة فاشلة للموت، ألفظ أنفاساً أظنّها الأخيرة ولكنّني أعود للعيش من جديد. فاشهدوا، في هذه المدوّنة، موتي وعودتي للحياة مراراً وتكراراُ

Tuesday, October 10, 2006

لعبة الوطن

عندما كتبت المقالة التالية في ذكرى الإستقلال عام 2005، لم أعلم أنّ ما ظننته أمواجاً عاتية، في طريقها إلى لبنان كي تكتب إستقلالاً آخر، ستتحوّل إلى إعصار هائل، يفترس أماننا المزيّف ويكشف لنا الحقيقة. نعم، لقد انكشفت لنا حقيقتنا، ألا وهي أنّه بينما نكون منغمسين بألعابنا السياسية القذرة، يتربّص لنا عدوّ على الباب. عدوّ قد يكون غبيّاً ولكنّه، بالطبع أذكى من الأطفال المشاركين بشتّى وسائل التّرفيه السياسي.عدوّ استطاع أن يستغلّ انشغالهم كي يتسلّل إلى أرض الوطن و بطريقة "على عينك يا تاجر". فلنحاول أن نبقَ أذكياء بدل الإصرار على أن نكون أغبى من الأغبياء! ء
-------------------------------------------------------------
أمواج

فتح سمير الظرف الأبيض، وابتسم. ء

إنّها دعوة من مدرسته القديمة لحضور معرض رسوم لطلاّبها بمناسبة ذكرى استقلال لبنان. اعتبر ذلك بمثابة فرصة للقاء أساتذته، واسترجاع ما بقي معلّقاً من ذكريات بين الجدران الحجرية، هو الذي منذ تخرّجه منذ خمس سنوات، لم يزُر المدرسة ولا مرّة واحدة. ء

تذكّر المعارض التي حضرها من قبل حين كان ما يزال تلميذاً على مقاعد الدراسة. ء
كانت كلّ الرسومات متشابهة، جنديّ يقف على قمّة جبل عالٍ، ويحمل بيده علم لبنان. وإذا وُجد إختلاف بين لوحة وأخرى، فإنّه غالباً ما يعود إلى الألوان المستعملة لصبغ الإستقلال. ء
بالنسبة لهؤلاء الرسامين الصّغار، الإستقلال ليس سوى صورة قديمة بالأبيض والأسود خرجت من صفحات التاريخ. صورة جامدة يحاولون كسر جليدها بالألوان. ء

كان يعذُر هؤلاء على عقم لوحاتهم. لا ذنب لهم، هم الذين قرأوا الإستقلال تاريخاً ولم يشعروا به حريّة تجري في العروق. ء
تماماً كالطفل الصغير الذي اشترى له والداه لعبة جميلة قبل أن يولد، ومتى وُلد وعرف العالم من حوله، اعتبرها من البديهيات التي يحصل عليها تلقائياً مع قدومه إلى هذه الدّنيا، فوضعها على الرفّ مع بقيّة الأغراض المهملة. هو لم يبذل مجهوداً للحصول عليها، ولا تربطه بها محبّة خاصّة، ولكنّه يبقيها معه. حتّى أنّه قد يخطفها من يديّ أحد أترابه إذا حاول سلبه إيّاها، ربّما لأنّه إعتاد مكانها حيث هي أو لأنّه قد يقدّر المجهود أو التضحيات التي بذلها أهله من أجل تأمينها. ء
لذلك، فإنّه متى تكلّم الولد عن لعبته تلك فهو سينطق بما قاله والداه وكيف وصفوها، و ربما يختلق بعض الأخبار الإضافية لمزيد من الإثارة.... ء

هكذا كانت الرسومات في مدرسته، أصداءً لصور سابقة، لصور قُرأت أو سُمعت ولكنها لم تُرسم قط. ء
إنعكاسات لأحداث عشّشت في عقول وقلوب من سبقهم. ء

كان يتمنّى في بعض الأوقات لو أنه يستطيع الرسم، ولكنّه كان يتراجع عن فكرته، فهو الآخر ليس لديه عن الإستقلال فكرة أكثر وضوحاً مما لدى الآخرين من أترابه. ء
كلّ ما يفرّقه عنهم هو تلك الرغبة التي تتأجّج في داخله بأن يحظ بمعنى جديد للإستقلال، يدخل قلبه كي يتولّى هذا الأخير توزيعه على بقايا أعضاء جسده. ء
عندها فقط قد تنطق به يداه. ء

حوالي الساعة الخامسة من بعض الظهر، اتّجه صوب مدرسته القديمة، وكلّه أمل بأن يكون طلاب هذه السنة قد استطاعوا إدخال إستقلال لبنان في عروقهم قبل أن يقطعوها فوق الأوراق البيضاء، وإلاّ فإنّه لن يرَ سوى تلك اللوحة القديمة للجندي الذي يحمل العلم اللبناني منتشرة في أنحاء المعرض بألوان مختلفة. ء

عند الباب الخارجيّ، سمع بعض الزوّار يشيدون بروعة المعرض وتميّزه هذه السنة عن السنوات الماضية. رقص قلبه فرحاً وابتسم بسخريّة إذ ظنّ أنّه سيشتاق إلى ذلك الجنديّ ذي الإبتسامة البلهاء. ء
أسرع بالدّخول متلهفّاً، ولكنّه ما لبث أن تسمّر في مكانه. ء
إختفى الجنديّ، وغصّت اللّوحات بآلاف الأشخاص يحملون الأعلام اللبنانية، و إمارات الغضب تعلو وجوههم. ء
تقدّم قليلاً، محاولاً شقّ طريقه بين الحشود الكبيرة ولكنّ الأصوات المتعالية من اللوحات أربكته. ء
أصوات ثائرة تنادي للحريّة والسيادة والإستقلال. ء

أصابه الذهول وجمد في مكانه. ظنّ أنّه وجد ضالّته، وأنّ هذه الرسومات تستطيع أن تشكّل الجسر الذي سيسلكه الاستقلال لدخول قلبه. ركض إلى داخل الصالة كي يلملم الأحجار المناسبة لبناء جسره الجديد، ولكنّ يافطة كبيرة معلّفة في وسط الصالة تحمل عبارة "استقلال 2005" قد أودت بأحلامه أدراج الرياح. لم يكن هذا المعرض سوى تتمّة لما حصل منذ بضعة أيام حين تجمّع أكثر من مليون لبنانيّ في ساحة الشهداء كي يطالبوا باستقلال جديد بدل أن يعملوا على تحقيق استقلال 1943. ء

لم يفهموا بعد الاستقلال الذي أعطى الحرية لدستور لبنان وأراضيه وشعبه. ملّوا من المحاولة، فأعطوا اسمه لما قد يفهمونه أكثر، لفكرة أكثر بساطة، لموجة امتدت على البلد والكلّ متطوّع لركوبها. ء

خرج سمير مسرعاً دون أن يكلّم أحداً حتّى أنّه لم يفتّش عن ذكرياته القديمة، تركها حيث هي بين الأحجار. قد تكون هناك بمأمن من الأمواج القادمة على لبنان. ء
مع كلّ موجة جديدة قد يُسجّل إستقلال آخر... ء

1 Comments:

Anonymous Anonymous said...

leik shou hayda a7la min el 7ala ya 7elou ...3an jad perfect w ne7na mnefte5er fiki w mnerfa3 rassna fiki perfect perfect perfect......

10/10/2006 9:18 pm  

Post a Comment

<< Home

Free Counters